وضع الأطباء الأطفال الذين أُنقِذوا من داخل أحد الكهوف في تايلاند رهن الحجر الصحي خشية تعرضهم لعدوى عندما كانوا تحت الأرض. فما طبيعة الأمراض التي ربما تعرض الأطفال لها وهم في الداخل؟ وما مدى خطورتها؟
تمكنت فرق الإنقاذ أخيرا من إخراج 12 صبيًا ومدربهم بعد أن غاصوا وجابوا كهف "تام لوانغ" المتشعب تحت الأرض قبل أن يرافقوا الصبية إلى بر الأمان إثر محنة دامت 17 يوما. اصطحب الصبية إلى مستشفى "تشيانغ راي" القريب للتعافي - غير أن ذويهم لم يتمكنوا من ضمهم إليهم بعد!
ففريق كرة القدم الناجي يمكث الآن في حجرة معقمة بمعزل عن العالم الخارجي تفصله جدران زجاجية. ومنع الأطباء معانقة الناجين أو لمسهم قبل إجراء الفحوص اللازمة.
وحتى بعد الانتهاء منها لن يسمح للآباء والأمهات بالاقتراب من أبنائهم أكثر من مترين، بينما يكسو الزوار لباس واق. فلم كل هذا؟ هذه الإجراءات تأتي خشية مما قد يكون الأطفال قد تعرضوا له وهم في باطن الأرض.
في كل عام يزور الألاف كهوف "تام لوانغ" حيث يدهشون لما بداخلها من ترسبات بديعة تتدلى من الأسقف بأشكالها المخروطية بينما تضيء أشعة الشمس المتسربة للداخل صبيحة كل يوم تمثالا ضخما لبوذا، ورغم ذلك لا يدري الزوار أن مجهولا قد يتربص بهم في الكهف، فتلك الكهوف المدارية مرتع لجراثيم وكائنات قد تودي بحياة من تصيبه.
تعج تلك الكهوف بثراء طبيعي مدهش من طيور وخفافيش وجرذان، يحمل بعضها ميكروبات ليس أقلها ما يسبب السُعار، فضلا عن الفيروس المعروف بفيروس "ماربورغ" وأمراض أخرى تسببها بعض الفطريات.
وكلما تعمق المرء داخل تلك الكهوف وجد نفسه في عالم مفقود ترتع فيه العقارب والعناكب السامة، فضلا عن عديدات الأرجل، التي تعيش عليها طفيليات تتسبب فيما يعرف بـ"حمى الكهوف"، وهو داء نادر يلحق أحيانا بمن يدخلون الأبنية المهجورة.
نحل قاتل
يقول ريك موركر، رئيس الرابطة الوطنية الأمريكية للغوص في الكهوف والمعنية بسلامة المستكشفين للمياه داخلها، إن تلك الكهوف تعج بالكائنات، مستشهدا بما رآه بكهف بالمكسيك من "نحل من النوع الأفريقي القاتل اتخذ مسكنه هناك، فضلا عن الخفافيش والعقارب وكل ما تتخيله - كل هذا بالمدخل فقط، بينما خطر البكتيريا لا يبرح مخيلتك".
أما المياه، فحدث ولا حرج! فالصخور الجيرية بالكهف يغطيها رشح المياه باستمرار ما يؤدي لتشبع الكهف بالرطوبة التي تمثل مع الهواء غير المتجدد والخفافيش بيئة مثالية لتكاثر الفطريات المسببة للأمراض، وتتجمع المياه على الأرض كمزيج من الوحل والحمأة، وذرق الطيور، تنعم فيه البكتيريا والطفيليات.
وأخيرا يجد المرء نفسه في عتمة شديدة حتى أن الكثير من كائنات تلك الكهوف نَحَّت البصر كلية، وأحيانا ما يُصحب رواد الفضاء إلى الكهوف لإعدادهم لصعوبة الحياة خارج كوكب الأرض، ففي تلك الدهاليز الضيقة وبين الصخور الحادة ما أسهل أن يضل المرء طريقه رغم الاستعانة بالإضاءة الصناعية!
تقول هيزل بارتون الغواصة الخبيرة بميكروبات الكهوف: "لا أشك لحظة أن الصبية التايلانديين أصيبوا بعدوى تعرف باسم 'عدوى المنسجات' الفطرية لتواجدهم في بيئة مدارية داخل كهف تقطنه الخفافيش، وبالتالي ترتفع احتمالات إصابتهم بتلك العدوى" التي تنتقل من مخلفات الطيور والخفافيش في الأجواء الرطبة.
وتعالج عادة بتلقي الأدوية المضادة للفطريات عدة أشهر وحتى عام كامل. وتتسبب تلك العدوى في وفاة واحد من كل عشرين طفلا و8 في المئة من البالغين المصابين، ويصعب العلاج في حالات الوهن وضعف المناعة.
وقد أوردت الأنباء أن رجلا في الثالثة والخمسين توفي بمستشفى بفلوريدا في وقت سابق من العام إثر إصابته بحمى وسعال وضيق تنفس، وبعد أيام أمضاها الأطباء في إجراء الفحوص واختبار كافة أمراض البلاد الحارة المعروفة دون جدوى، أدركوا أن المريض عاش فترة في كوستاريكا حيث كان مولعا باستكشاف الكهوف، فبادروا بإجراء فحوص عليه لمعرفة ما إذا كان قد أصيب بـ"عدوى المنسجات".
وللأسف قضي الرجل نحبه في اليوم الرابع من دخوله المستشفى وقبيل تأكيد نتائج العينة إصابته بتلك العدوى.
مخلفات الخفاش
وما أيسر أن يصاب المرء بـ"عدوى المنسجات"، وهو ما اكتشفته بارتون عن كثب العام الماضي حينما كانت برفقة زوجها برحلة بأحد الكهوف في الولايات المتحدة.
وتقول خبيرة الميكروبات: "ما إن دخلنا الكهف إلا واشتممت رائحة براز الخفافيش فأدركت أننا بكهف موبوء بالمنسجات. لم يفهم زوجي ما قلت حتى لفحت فمه وأنفه بوشاح حتى لا يستنشق الهواء، ومع ذلك ظهرت عليه أعراض العدوى بعد عشرة أيام".
ومن الميكروبات الأخرى القابعة بالكهوف بكتيريا لبتوسبيرا لولبية الشكل التي تنتشر عبر السوائل التي تفرزها أجسام القوارض كالبول وغيره وتنتقل عبر المياه الملوثة بتعرض الجروح لها أو بدخولها في الفم أو الأنف أو العينين أو باستنشاق الرئتين للرذاذ.
وتتسبب تلك البكتيريا في داء يعرف بـ"داء وايل" يبدأ بأعراض تشبه الإصابة بالأنفلونزا، ويتطور في 5 إلى 15 في المئة من الحالات بشكل خطير يؤدي للنزيف الداخلي وفشل الأعضاء ومن ثم قد تحدث الوفاة.
والمعروف عن تلك البكتيريا إصابتها لمرتادي الكهوف، كحالة شخص أصيب عام 2005 في ساراواك بماليزيا ولم تمنع المضادات الحيوية التي كان يتناولها على أي حال إصابته بعدواها.
لكن المرض الأرجح أن يصيب الصبية التايلانديين هو "الراعوم" المنتشر في مناطق مدارية بجنوب شرقي آسيا وشمال أستراليا، ويعتقد أنه يصيب قرابة 165 ألف شخص كل عام متسببا في وفاة نصفهم، أي نحو 89 ألفا سنويا.
ويتسبب المرض في مشكلات عدة جراء إصابة المريض بالبكتيريا المسببة التي تعيش في التربة وتلحق بالإنسان خلال أنشطة يومية كزراعة الأرز.
وتكمن صعوبة المرض في تشخيصه لتعدد أعراضه وتشابهها مع أنواع شتى من العدوى، وبين أعراضه السعال والحمى؛ كما أنه مقاوم لعديد من المضادات الحيوية.
ويستبق الأطباء ظهور أي أعراض بفحوص عينات الدم على الناجين من أفراد فريق الكرة التايلاندي، فبعض الأعراض تظهر بعد 21 يوما من الإصابة بالعدوى.
ومن الأهمية القصوى البدء بالعلاج المبكر حال الاشتباه في الإصابة بالراعوم ما يحسن فرص الشفاء. وتردد أن الصبية يتلقون المضادات الحيوية بالفعل منذ عدة أيام، دون تحديد نوع المضاد أو نوع الإصابة المحتملة.
والنصيحة للراغب في اكتشاف الكهوف اتخاذ تدابير احتياطية للوقاية من الأمراض المتربصة بالداخل، من قبيل ارتداء الأحذية المطاطية ذات العنق الطويل لمنع وصول البكتيريا إلى الجسم أثناء الخوض في المياه الموحلة.
ويضيف موركر أنه يتعين خلع كافة ملابس الغوص خارج الكهف والاغتسال جيدا
وتحرص بارتون على طمأنة محبي الكهوف إلى أنها ليست كلها مهالك، بل يتوقف الأمر على بيئة الكهف وما بداخله، وتقول "إن أغلب الكهوف التي ندرسها تكون من أقل البيئات على وجه الأرض من حيث الكثافة الميكروبية، بل بعضها أقل كثافة خلوية من الثلوج القديمة بالقارة القطبية الجنوبية".
وتضيف: "لكن الصبية التايلانديين كانوا في كهف غارق بالمياه في منطقة مدارية حيث الكثير من الأمراض تنتقل عبر الماء المنساب إلى الداخل".
تمكنت فرق الإنقاذ أخيرا من إخراج 12 صبيًا ومدربهم بعد أن غاصوا وجابوا كهف "تام لوانغ" المتشعب تحت الأرض قبل أن يرافقوا الصبية إلى بر الأمان إثر محنة دامت 17 يوما. اصطحب الصبية إلى مستشفى "تشيانغ راي" القريب للتعافي - غير أن ذويهم لم يتمكنوا من ضمهم إليهم بعد!
ففريق كرة القدم الناجي يمكث الآن في حجرة معقمة بمعزل عن العالم الخارجي تفصله جدران زجاجية. ومنع الأطباء معانقة الناجين أو لمسهم قبل إجراء الفحوص اللازمة.
وحتى بعد الانتهاء منها لن يسمح للآباء والأمهات بالاقتراب من أبنائهم أكثر من مترين، بينما يكسو الزوار لباس واق. فلم كل هذا؟ هذه الإجراءات تأتي خشية مما قد يكون الأطفال قد تعرضوا له وهم في باطن الأرض.
في كل عام يزور الألاف كهوف "تام لوانغ" حيث يدهشون لما بداخلها من ترسبات بديعة تتدلى من الأسقف بأشكالها المخروطية بينما تضيء أشعة الشمس المتسربة للداخل صبيحة كل يوم تمثالا ضخما لبوذا، ورغم ذلك لا يدري الزوار أن مجهولا قد يتربص بهم في الكهف، فتلك الكهوف المدارية مرتع لجراثيم وكائنات قد تودي بحياة من تصيبه.
تعج تلك الكهوف بثراء طبيعي مدهش من طيور وخفافيش وجرذان، يحمل بعضها ميكروبات ليس أقلها ما يسبب السُعار، فضلا عن الفيروس المعروف بفيروس "ماربورغ" وأمراض أخرى تسببها بعض الفطريات.
وكلما تعمق المرء داخل تلك الكهوف وجد نفسه في عالم مفقود ترتع فيه العقارب والعناكب السامة، فضلا عن عديدات الأرجل، التي تعيش عليها طفيليات تتسبب فيما يعرف بـ"حمى الكهوف"، وهو داء نادر يلحق أحيانا بمن يدخلون الأبنية المهجورة.
نحل قاتل
يقول ريك موركر، رئيس الرابطة الوطنية الأمريكية للغوص في الكهوف والمعنية بسلامة المستكشفين للمياه داخلها، إن تلك الكهوف تعج بالكائنات، مستشهدا بما رآه بكهف بالمكسيك من "نحل من النوع الأفريقي القاتل اتخذ مسكنه هناك، فضلا عن الخفافيش والعقارب وكل ما تتخيله - كل هذا بالمدخل فقط، بينما خطر البكتيريا لا يبرح مخيلتك".
أما المياه، فحدث ولا حرج! فالصخور الجيرية بالكهف يغطيها رشح المياه باستمرار ما يؤدي لتشبع الكهف بالرطوبة التي تمثل مع الهواء غير المتجدد والخفافيش بيئة مثالية لتكاثر الفطريات المسببة للأمراض، وتتجمع المياه على الأرض كمزيج من الوحل والحمأة، وذرق الطيور، تنعم فيه البكتيريا والطفيليات.
وأخيرا يجد المرء نفسه في عتمة شديدة حتى أن الكثير من كائنات تلك الكهوف نَحَّت البصر كلية، وأحيانا ما يُصحب رواد الفضاء إلى الكهوف لإعدادهم لصعوبة الحياة خارج كوكب الأرض، ففي تلك الدهاليز الضيقة وبين الصخور الحادة ما أسهل أن يضل المرء طريقه رغم الاستعانة بالإضاءة الصناعية!
تقول هيزل بارتون الغواصة الخبيرة بميكروبات الكهوف: "لا أشك لحظة أن الصبية التايلانديين أصيبوا بعدوى تعرف باسم 'عدوى المنسجات' الفطرية لتواجدهم في بيئة مدارية داخل كهف تقطنه الخفافيش، وبالتالي ترتفع احتمالات إصابتهم بتلك العدوى" التي تنتقل من مخلفات الطيور والخفافيش في الأجواء الرطبة.
وتعالج عادة بتلقي الأدوية المضادة للفطريات عدة أشهر وحتى عام كامل. وتتسبب تلك العدوى في وفاة واحد من كل عشرين طفلا و8 في المئة من البالغين المصابين، ويصعب العلاج في حالات الوهن وضعف المناعة.
وقد أوردت الأنباء أن رجلا في الثالثة والخمسين توفي بمستشفى بفلوريدا في وقت سابق من العام إثر إصابته بحمى وسعال وضيق تنفس، وبعد أيام أمضاها الأطباء في إجراء الفحوص واختبار كافة أمراض البلاد الحارة المعروفة دون جدوى، أدركوا أن المريض عاش فترة في كوستاريكا حيث كان مولعا باستكشاف الكهوف، فبادروا بإجراء فحوص عليه لمعرفة ما إذا كان قد أصيب بـ"عدوى المنسجات".
وللأسف قضي الرجل نحبه في اليوم الرابع من دخوله المستشفى وقبيل تأكيد نتائج العينة إصابته بتلك العدوى.
مخلفات الخفاش
وما أيسر أن يصاب المرء بـ"عدوى المنسجات"، وهو ما اكتشفته بارتون عن كثب العام الماضي حينما كانت برفقة زوجها برحلة بأحد الكهوف في الولايات المتحدة.
وتقول خبيرة الميكروبات: "ما إن دخلنا الكهف إلا واشتممت رائحة براز الخفافيش فأدركت أننا بكهف موبوء بالمنسجات. لم يفهم زوجي ما قلت حتى لفحت فمه وأنفه بوشاح حتى لا يستنشق الهواء، ومع ذلك ظهرت عليه أعراض العدوى بعد عشرة أيام".
ومن الميكروبات الأخرى القابعة بالكهوف بكتيريا لبتوسبيرا لولبية الشكل التي تنتشر عبر السوائل التي تفرزها أجسام القوارض كالبول وغيره وتنتقل عبر المياه الملوثة بتعرض الجروح لها أو بدخولها في الفم أو الأنف أو العينين أو باستنشاق الرئتين للرذاذ.
وتتسبب تلك البكتيريا في داء يعرف بـ"داء وايل" يبدأ بأعراض تشبه الإصابة بالأنفلونزا، ويتطور في 5 إلى 15 في المئة من الحالات بشكل خطير يؤدي للنزيف الداخلي وفشل الأعضاء ومن ثم قد تحدث الوفاة.
والمعروف عن تلك البكتيريا إصابتها لمرتادي الكهوف، كحالة شخص أصيب عام 2005 في ساراواك بماليزيا ولم تمنع المضادات الحيوية التي كان يتناولها على أي حال إصابته بعدواها.
لكن المرض الأرجح أن يصيب الصبية التايلانديين هو "الراعوم" المنتشر في مناطق مدارية بجنوب شرقي آسيا وشمال أستراليا، ويعتقد أنه يصيب قرابة 165 ألف شخص كل عام متسببا في وفاة نصفهم، أي نحو 89 ألفا سنويا.
ويتسبب المرض في مشكلات عدة جراء إصابة المريض بالبكتيريا المسببة التي تعيش في التربة وتلحق بالإنسان خلال أنشطة يومية كزراعة الأرز.
وتكمن صعوبة المرض في تشخيصه لتعدد أعراضه وتشابهها مع أنواع شتى من العدوى، وبين أعراضه السعال والحمى؛ كما أنه مقاوم لعديد من المضادات الحيوية.
ويستبق الأطباء ظهور أي أعراض بفحوص عينات الدم على الناجين من أفراد فريق الكرة التايلاندي، فبعض الأعراض تظهر بعد 21 يوما من الإصابة بالعدوى.
ومن الأهمية القصوى البدء بالعلاج المبكر حال الاشتباه في الإصابة بالراعوم ما يحسن فرص الشفاء. وتردد أن الصبية يتلقون المضادات الحيوية بالفعل منذ عدة أيام، دون تحديد نوع المضاد أو نوع الإصابة المحتملة.
والنصيحة للراغب في اكتشاف الكهوف اتخاذ تدابير احتياطية للوقاية من الأمراض المتربصة بالداخل، من قبيل ارتداء الأحذية المطاطية ذات العنق الطويل لمنع وصول البكتيريا إلى الجسم أثناء الخوض في المياه الموحلة.
ويضيف موركر أنه يتعين خلع كافة ملابس الغوص خارج الكهف والاغتسال جيدا
وتحرص بارتون على طمأنة محبي الكهوف إلى أنها ليست كلها مهالك، بل يتوقف الأمر على بيئة الكهف وما بداخله، وتقول "إن أغلب الكهوف التي ندرسها تكون من أقل البيئات على وجه الأرض من حيث الكثافة الميكروبية، بل بعضها أقل كثافة خلوية من الثلوج القديمة بالقارة القطبية الجنوبية".
وتضيف: "لكن الصبية التايلانديين كانوا في كهف غارق بالمياه في منطقة مدارية حيث الكثير من الأمراض تنتقل عبر الماء المنساب إلى الداخل".