صلاح الدين الأيوبي
فاتح القدس وقاهر الصليبيين
ومعركته حطين
القدس الشريف، أولى القبلتين، ومسرى رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، فتحه المسلمون بعد معركة اليرموك، وجاء الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه من المدينة المنورة، وتسلم مفاتيحه من النصارى لا من اليهود.
ودارت الأيام... وابتعد المسلمون عن دينهم، وتنازعوا ففشلوا وذهبت ريحهم، فجاء عباد الصليب إلى أهل التوحيد، وعاثوا في الديار قتلاً وتحريقاً ثم احتلوا بيت المقدس، فأغرقوها بالدماء.
يقول المؤرخ ابن الأثير:
(احتل الصليبيون بيت المقدس ضحوة نهار يوم الجمعة، وركب الناسَ السيفُ، ولبث الفرنج في البلدة أسبوعاً يقتلون فيه المسلمين، قتلوا ما يزيد على سبعين ألفاً منهم، وجماعة كثيرة من أئمة المسلمين وعامتهم.
وكان الصليبيون يجمعون الذهب من سكان القدس، وكان بينهم جواسيس ينقلون إلى الصليبيين الأخبار، فإذا نقلوا لهم أن إنساناً عنده ذهب طلبوه منه، وإذا علموا أنه بلع الليرات الذهبية قتلوه وشقوا بطنه وأخرجوا منه الذهب، أو يحرقونهم ثم يبحثون بين الرماد عن الذهب.
وكانت الممالك تتناحر مع بعضها، وبعضهم كان يستعين بالأجنبي الصليبي على إخوانه، ولكن قوة ناهضة كانت تشعر بالخطر الصليبي على الإسلام والمسلمين، وهم آل زنكي، وآخرهم نور الدين الشهيد، يساعده صلاح الدين الأيوبي.
لقد بذل نور الدين كل جهده لتوحيد المسلمين في جبهة واحدة، لطرد الصليبيين من ديار الإسلام وردهم إلى بلادهم، فوحد الشام ومصر، ثم وافاه الأجل، فأكمل صلاح الدين هذه المهمة العظيمة.
صلاح الدين الأيوبي:
كان آل أيوب في العراق، ثم دخلوا في جيش نور الدين، وأبلوا بلاء حسناً في قتال الصليبيين.
وكان صلاح الدين فارساً يجيد فنون الحرب والقتال وقيادة الجيوش، فنهض ليكمل مسيرة البطولة في ساحات الجهاد في سبيل الله تعالى، وطرد الغزاة المستعمرين، واشتبك مع الصليبيين في معارك طاحنة، وفتح مدناً كثيرة، أنقذها من الكفار؛ فتح يافا وصيدا وجبيل وعكا وعسقلان وما يجاورها، وذلك ليعزل القدس عما يجاورها، استعداداً للمعركة الفاصلة، وكان يخاف على نفسه وجنده من المعاصي أكثر مما يخاف من العدو، فالمعاصي هي عدو المسلم أولاً، ثم العدو، وقد كان صلاح الدين حريصاً على إرضاء الله تعالى.
لقد أصبحت مصر والشام دولة واحدة ولكن كان فيها الشيعة الذين سموا أنفسهم بالفاطميين، وقد كذبهم التاريخ، فهم يهود، وبعضهم ادعى الألوهية، حكموا مصر أكثر من مئتي سنة، ولما جاء صلاح الدين إلى مصر أسقط حكمهم، وألغى التشيع في مصر، فعادت إلى السنة.
ولم يبق أمام صلاح الدين، إلا أن يضع الخطة الحربية الحاسمة للهجوم على القدس ولكن لا بد من الإعداد الكامل لهذه المعركة المصيرية.
الاستعداد للمعركة:
عبأ صلاح الدين قواته، وتولى بنفسه قيادة الجيش وتقدم إلى مدينة طبرية فحاصرها ونقب بعض أبراجها، ودافع عنها الصليبيون جهدهم، ولكن الله خذلهم ونصر المسلمين، وسقطت المدينة بيد صلاح الدين في ليلة واحدة.
كان الصليبيون متجمعين في معسكر صفُّورية قرب مدينة عكا، وهو أفضل الأماكن الملائمة للقتال لأن الماء متوفر مع المراعي للخيول، وإذا انحصروا فالبحر وراءهم تأتيهم منه النجدات والمؤن.
كان صلاح الدين يعرف أن مهاجمة الصليبيين في معسكرهم في صفورية مغامرة، وهذه المغامرة، يرجح أن تكون فاشلة، لأن فرص النجاح فيها ضعيفة، لكنه وهو القائد الناجح، هو الذي يحدد مكان المعركة، فلما احتل طبرية، خاف الصليبيون على القدس، وقالوا: متى ملك صلاح الدين حطين ملك القدس، فعقدوا اجتماعاً قرروا فيه التخلي عن معسكرهم في صفورية، والتوجه لملاقاة صلاح الدين.
لقد نجحت خطة القائد العبقرية باستدراج الصليبيين وإخراجهم من مخبئهم ومسيرهم إليه، فهو الذي فرض موقع المعركة، وكل شيء فيها لصالحه.
المسير إلى حطين:
سار صلاح الدين بجيشه عبر التلال حتى بلغ حطين، وهي قرية كثرت فيها المراعي و المياه.
بينما كان الصليبيون قد غادروا حدائق صفورية وجنانها ومراعيها ومياهها وشقوا طريقهم في تلال جرداء، لا ماء ولا شجر، ولا ظل ولا موارد لخيولهم على امتداد الطريق، فاشتد الإحساس بالظمأ لدى الرجال والخيول.
وكانت كمائن المسلمين تهاجم مقدمة الجيش الصليبي ومؤخرته، وأمطروا قلب الجيش بالسهام فكانوا يتساقطون على الطريق كما يتساقط ورق الشجر في فصل الخريف.
وصل الصليبيون إلى هضبة حطين الجافة، بينما كان المسلمون معسكرين في الوادي المعشب.
أمضى الصليبيون ليلتهم يشربون الخمر بدل الماء، وهم يسمعون المسلمين يرددون الأدعية و يهللون ويكبرون.
المعركة:
أضرم المسلمون النار في الأعشاب والشجيرات الجافة التي تغطي تل حطين، فاجتمع عليهم من البلاء حر العطش، وحر الشمس، وحر النار، والدخان وحر السيف...
كانت معنويات الصليبيين منهارة تماماً، عندما تم تطويقهم تطويقاً كاملاً، ثم بدأ المسلمون الهجوم.
دار الصراع مريراً بين الطرفين، كان قتال الفرنجة قتال اليائس، فلقي كثير منهم مصرعهم منذ الهجمة الأولى عليهم، وفضل كثير منهم الأسر، ولكن الفرسان منهم استماتوا في القتال وأظهروا شجاعة نادرة مستميتة، وصمدوا لحملات المسلمين عليهم، غير أن أعدادهم كانت تتناقص بعد كل هجمة من هجمات المسلمين، وبدأت قوتهم بالانهيار.
ولما فقد الملك (جاي) السيطرة على الموقف، حاول ريموند قائد الفرسان اقتحام خطوط المسلمين فحمل بكل قواته على القوات التي يقودها عمر ابن أخي صلاح الدين، وكان عمر مدرباً على القتال، عارفاً فنون الحرب، فأفسح المجال لفرسانه فولى ريموند هارباً مع فرسانه... خرجت بذلك قوة الفرسان من المعركة فتدهورت الروح المعنوية الصليبية وسقطت خيمة الملك، واستولى المسلمون على صليب الصلبوت، وهي الخشبة التي يعتقد النصارى هذا الاعتقاد الفاسد أن المسيح عليه السلام قد صلب عليها واشتد القتال من سائر الجهات.... فتخلى المقاتل عن سيفه واستسلم.
استقبل صلاح الدين في خيمته كبار الاسرى، وطلب الملك جاي كأساً من الماء، ولما تناوله قدمه إلى أرناط فقال صلاح الدين: أنت الذي تسقيه، وأما أنا، فلا.
قال أرناط: عفوك أيها السلطان، أنا أعترف بذنبي.
قال صلاح الدين: أنت قتلت الحجاج، وأخفت المدينة المنورة، لقد أقسمت إن أظفرني الله عليك أن أقتلك بيدي، والآن أبر بقسمي، ثم ضربه بالسيف وفصل رأسه عن جسده.
كانت معركة حطين مفتاح بيت المقدس، حيث انكسرت القوة الرئيسية في الشرق الإسلامي.
استعداد الصليبيين:
واستعد الصليبيون للدفاع عن القدس، وكان البطريرك هرقل يتولى هذا الدفاع، يساعده من نجا من حطين، وحشدوا بالقدس جموعاً كلها ترى الموت أهون من أن يملك المسلمون بيت المقدس.
وجاء صلاح الدين، ونزل على القدس نزول الطبيب على المريض، كان القدس يئن من قذارة الصليبيين وجرائمهم.
الحصار:
ظل صلاح الدين خمسة أيام يطوف حول المدينة لينظر من أين يقاتل، لأنه في غاية الحصانة والامتناع، فلم يجد غير موضع قتال واحد وهو من جهة الشمال عند باب العمود أو كنيسة صهيون.
بدء القتال:
أخذ الجيش موقعه على جبل الزيتون، وكبروا تكبيرات انخلع لها قلب المدافعين من الصليبيين، وحملوا مندفعين إلى العدو حملة رجل واحد، فأزالوا الفرنجة عن مواقعهم، ووصلوا إلى الخندق فجاوزوه والتصقوا بالسور، وأخذوا في نقبه قرب باب العمود، قرب المكان الذي دخل منه جود فري المدينة قبل ثمان وثمانين سنة، يوم دخل الصليبيون القدس في الحملة المشؤومة، وزحف الرماة لحماية المهندسين الذين يحفرون النقب، والمنجنيقات توالي الرمي لتكشف الفرنجة عن الأسوار، واستمر النقب ثلاثة أيام فحدثت ثغرة كبيرة بالسور.
واشتدت المعارك واحتدم القتال، وكان المقاتلون مثل أمواج البحر؛ في مد وجزر، وطلب الصليبيون الصلح فأبى صلاح الدين، ثم جددوا هذا الطلب فاستشار أصحابه وقادة حربه، فأشاروا عليه بقبول الصلح.
استسلام الصليبيين:
استسلم الصليبيون لصلاح الدين، ولم يعاملهم بالمثل، وقد كسب هذا البطل للإسلام بقلبه وإحسانه أكثر مما كسبه بسيفه، وأصبح اسمه رمز الرحمة في أوربا.
لقد تسلم المسلمون القدس من النصارى لا من اليهود، وهذا ينفي ادعاء اليهود بأن القدس وطن لهم وقد ظلت القدس بيد الصليبيين قريباً من تسعين عاماً ثم عادت بالجهاد... فرحم الله صلاح الدين الأيوبي فاتح القدس الشريف.
فاتح القدس وقاهر الصليبيين
ومعركته حطين
القدس الشريف، أولى القبلتين، ومسرى رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، فتحه المسلمون بعد معركة اليرموك، وجاء الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه من المدينة المنورة، وتسلم مفاتيحه من النصارى لا من اليهود.
ودارت الأيام... وابتعد المسلمون عن دينهم، وتنازعوا ففشلوا وذهبت ريحهم، فجاء عباد الصليب إلى أهل التوحيد، وعاثوا في الديار قتلاً وتحريقاً ثم احتلوا بيت المقدس، فأغرقوها بالدماء.
يقول المؤرخ ابن الأثير:
(احتل الصليبيون بيت المقدس ضحوة نهار يوم الجمعة، وركب الناسَ السيفُ، ولبث الفرنج في البلدة أسبوعاً يقتلون فيه المسلمين، قتلوا ما يزيد على سبعين ألفاً منهم، وجماعة كثيرة من أئمة المسلمين وعامتهم.
وكان الصليبيون يجمعون الذهب من سكان القدس، وكان بينهم جواسيس ينقلون إلى الصليبيين الأخبار، فإذا نقلوا لهم أن إنساناً عنده ذهب طلبوه منه، وإذا علموا أنه بلع الليرات الذهبية قتلوه وشقوا بطنه وأخرجوا منه الذهب، أو يحرقونهم ثم يبحثون بين الرماد عن الذهب.
وكانت الممالك تتناحر مع بعضها، وبعضهم كان يستعين بالأجنبي الصليبي على إخوانه، ولكن قوة ناهضة كانت تشعر بالخطر الصليبي على الإسلام والمسلمين، وهم آل زنكي، وآخرهم نور الدين الشهيد، يساعده صلاح الدين الأيوبي.
لقد بذل نور الدين كل جهده لتوحيد المسلمين في جبهة واحدة، لطرد الصليبيين من ديار الإسلام وردهم إلى بلادهم، فوحد الشام ومصر، ثم وافاه الأجل، فأكمل صلاح الدين هذه المهمة العظيمة.
صلاح الدين الأيوبي:
كان آل أيوب في العراق، ثم دخلوا في جيش نور الدين، وأبلوا بلاء حسناً في قتال الصليبيين.
وكان صلاح الدين فارساً يجيد فنون الحرب والقتال وقيادة الجيوش، فنهض ليكمل مسيرة البطولة في ساحات الجهاد في سبيل الله تعالى، وطرد الغزاة المستعمرين، واشتبك مع الصليبيين في معارك طاحنة، وفتح مدناً كثيرة، أنقذها من الكفار؛ فتح يافا وصيدا وجبيل وعكا وعسقلان وما يجاورها، وذلك ليعزل القدس عما يجاورها، استعداداً للمعركة الفاصلة، وكان يخاف على نفسه وجنده من المعاصي أكثر مما يخاف من العدو، فالمعاصي هي عدو المسلم أولاً، ثم العدو، وقد كان صلاح الدين حريصاً على إرضاء الله تعالى.
لقد أصبحت مصر والشام دولة واحدة ولكن كان فيها الشيعة الذين سموا أنفسهم بالفاطميين، وقد كذبهم التاريخ، فهم يهود، وبعضهم ادعى الألوهية، حكموا مصر أكثر من مئتي سنة، ولما جاء صلاح الدين إلى مصر أسقط حكمهم، وألغى التشيع في مصر، فعادت إلى السنة.
ولم يبق أمام صلاح الدين، إلا أن يضع الخطة الحربية الحاسمة للهجوم على القدس ولكن لا بد من الإعداد الكامل لهذه المعركة المصيرية.
الاستعداد للمعركة:
عبأ صلاح الدين قواته، وتولى بنفسه قيادة الجيش وتقدم إلى مدينة طبرية فحاصرها ونقب بعض أبراجها، ودافع عنها الصليبيون جهدهم، ولكن الله خذلهم ونصر المسلمين، وسقطت المدينة بيد صلاح الدين في ليلة واحدة.
كان الصليبيون متجمعين في معسكر صفُّورية قرب مدينة عكا، وهو أفضل الأماكن الملائمة للقتال لأن الماء متوفر مع المراعي للخيول، وإذا انحصروا فالبحر وراءهم تأتيهم منه النجدات والمؤن.
كان صلاح الدين يعرف أن مهاجمة الصليبيين في معسكرهم في صفورية مغامرة، وهذه المغامرة، يرجح أن تكون فاشلة، لأن فرص النجاح فيها ضعيفة، لكنه وهو القائد الناجح، هو الذي يحدد مكان المعركة، فلما احتل طبرية، خاف الصليبيون على القدس، وقالوا: متى ملك صلاح الدين حطين ملك القدس، فعقدوا اجتماعاً قرروا فيه التخلي عن معسكرهم في صفورية، والتوجه لملاقاة صلاح الدين.
لقد نجحت خطة القائد العبقرية باستدراج الصليبيين وإخراجهم من مخبئهم ومسيرهم إليه، فهو الذي فرض موقع المعركة، وكل شيء فيها لصالحه.
المسير إلى حطين:
سار صلاح الدين بجيشه عبر التلال حتى بلغ حطين، وهي قرية كثرت فيها المراعي و المياه.
بينما كان الصليبيون قد غادروا حدائق صفورية وجنانها ومراعيها ومياهها وشقوا طريقهم في تلال جرداء، لا ماء ولا شجر، ولا ظل ولا موارد لخيولهم على امتداد الطريق، فاشتد الإحساس بالظمأ لدى الرجال والخيول.
وكانت كمائن المسلمين تهاجم مقدمة الجيش الصليبي ومؤخرته، وأمطروا قلب الجيش بالسهام فكانوا يتساقطون على الطريق كما يتساقط ورق الشجر في فصل الخريف.
وصل الصليبيون إلى هضبة حطين الجافة، بينما كان المسلمون معسكرين في الوادي المعشب.
أمضى الصليبيون ليلتهم يشربون الخمر بدل الماء، وهم يسمعون المسلمين يرددون الأدعية و يهللون ويكبرون.
المعركة:
أضرم المسلمون النار في الأعشاب والشجيرات الجافة التي تغطي تل حطين، فاجتمع عليهم من البلاء حر العطش، وحر الشمس، وحر النار، والدخان وحر السيف...
كانت معنويات الصليبيين منهارة تماماً، عندما تم تطويقهم تطويقاً كاملاً، ثم بدأ المسلمون الهجوم.
دار الصراع مريراً بين الطرفين، كان قتال الفرنجة قتال اليائس، فلقي كثير منهم مصرعهم منذ الهجمة الأولى عليهم، وفضل كثير منهم الأسر، ولكن الفرسان منهم استماتوا في القتال وأظهروا شجاعة نادرة مستميتة، وصمدوا لحملات المسلمين عليهم، غير أن أعدادهم كانت تتناقص بعد كل هجمة من هجمات المسلمين، وبدأت قوتهم بالانهيار.
ولما فقد الملك (جاي) السيطرة على الموقف، حاول ريموند قائد الفرسان اقتحام خطوط المسلمين فحمل بكل قواته على القوات التي يقودها عمر ابن أخي صلاح الدين، وكان عمر مدرباً على القتال، عارفاً فنون الحرب، فأفسح المجال لفرسانه فولى ريموند هارباً مع فرسانه... خرجت بذلك قوة الفرسان من المعركة فتدهورت الروح المعنوية الصليبية وسقطت خيمة الملك، واستولى المسلمون على صليب الصلبوت، وهي الخشبة التي يعتقد النصارى هذا الاعتقاد الفاسد أن المسيح عليه السلام قد صلب عليها واشتد القتال من سائر الجهات.... فتخلى المقاتل عن سيفه واستسلم.
استقبل صلاح الدين في خيمته كبار الاسرى، وطلب الملك جاي كأساً من الماء، ولما تناوله قدمه إلى أرناط فقال صلاح الدين: أنت الذي تسقيه، وأما أنا، فلا.
قال أرناط: عفوك أيها السلطان، أنا أعترف بذنبي.
قال صلاح الدين: أنت قتلت الحجاج، وأخفت المدينة المنورة، لقد أقسمت إن أظفرني الله عليك أن أقتلك بيدي، والآن أبر بقسمي، ثم ضربه بالسيف وفصل رأسه عن جسده.
كانت معركة حطين مفتاح بيت المقدس، حيث انكسرت القوة الرئيسية في الشرق الإسلامي.
استعداد الصليبيين:
واستعد الصليبيون للدفاع عن القدس، وكان البطريرك هرقل يتولى هذا الدفاع، يساعده من نجا من حطين، وحشدوا بالقدس جموعاً كلها ترى الموت أهون من أن يملك المسلمون بيت المقدس.
وجاء صلاح الدين، ونزل على القدس نزول الطبيب على المريض، كان القدس يئن من قذارة الصليبيين وجرائمهم.
الحصار:
ظل صلاح الدين خمسة أيام يطوف حول المدينة لينظر من أين يقاتل، لأنه في غاية الحصانة والامتناع، فلم يجد غير موضع قتال واحد وهو من جهة الشمال عند باب العمود أو كنيسة صهيون.
بدء القتال:
أخذ الجيش موقعه على جبل الزيتون، وكبروا تكبيرات انخلع لها قلب المدافعين من الصليبيين، وحملوا مندفعين إلى العدو حملة رجل واحد، فأزالوا الفرنجة عن مواقعهم، ووصلوا إلى الخندق فجاوزوه والتصقوا بالسور، وأخذوا في نقبه قرب باب العمود، قرب المكان الذي دخل منه جود فري المدينة قبل ثمان وثمانين سنة، يوم دخل الصليبيون القدس في الحملة المشؤومة، وزحف الرماة لحماية المهندسين الذين يحفرون النقب، والمنجنيقات توالي الرمي لتكشف الفرنجة عن الأسوار، واستمر النقب ثلاثة أيام فحدثت ثغرة كبيرة بالسور.
واشتدت المعارك واحتدم القتال، وكان المقاتلون مثل أمواج البحر؛ في مد وجزر، وطلب الصليبيون الصلح فأبى صلاح الدين، ثم جددوا هذا الطلب فاستشار أصحابه وقادة حربه، فأشاروا عليه بقبول الصلح.
استسلام الصليبيين:
استسلم الصليبيون لصلاح الدين، ولم يعاملهم بالمثل، وقد كسب هذا البطل للإسلام بقلبه وإحسانه أكثر مما كسبه بسيفه، وأصبح اسمه رمز الرحمة في أوربا.
لقد تسلم المسلمون القدس من النصارى لا من اليهود، وهذا ينفي ادعاء اليهود بأن القدس وطن لهم وقد ظلت القدس بيد الصليبيين قريباً من تسعين عاماً ثم عادت بالجهاد... فرحم الله صلاح الدين الأيوبي فاتح القدس الشريف.