يتحرك دون أن يشعر به أحد كذئب يقترب من هدفه بخطوات متسارعة، وهو يربط حول خصره حزاماً ناسفاً، وفي لحظة يحددها هو وحده، يضغط على زر فيتحول إلى أشلاء وسط كتلة لهب تخطف أرواح الأبرياء والأطفال..
مشهد من كابوس لم يعد يهدد مصر وحدها بل العالم أجمع، يحمله أفراد لا يربطهم تنظيم أو قائد واحد، ليخلقون مصطلحًا جديدًا في عالم الأمن والمخابرات هو "الذئاب المنفردة
أحد "الذئاب المنفردة" ظهر هذا الأسبوع في مشهد رصدته، كاميرات كنسية "مارمرقس" بمنطقة المنشية بالإسكندرية، يوم عيد السعف، ومرة أخرى في كنيسة "مارجرجس" في طنطا، وقبلها الكنيسة "البطرسية" وبنفس الطريقة.
تنظيم "داعش"، أعلن مسئوليته عن الحوادث الثلاث عقب وقوعها، ليتحول مقاتلو داعش عقب الهزائم التي تعرض لها التنظيم في سوريا والعراق وانحسارهم في ليبيا وسيناء، لقنابل موقوتة تنفذ مخططات شيطانية.
أغلب المنفذين لهذه العمليات، من الأشخاص العاديين، الذي لا تثار حولهم الشكوك والريبة، أثناء تحركاتهم اليومية، وهو ما يصعب مهام أجهزة الأمن في رصدهم ، لاسيما أنه لا يوجد لهم سجل إرهابي، وتتكون هذه الخلايا من شخص أو ثلاث أشخاص، وتصل لثمانية في بعض الأحيان، ويعتمدوا بشكل أساسي علي الانترنت للتواصل فيما بينهم، وللحصول علي المعلومات، وطرق تجهيز وتصنيع المتفجرات، وتنفيذ العمليات الإرهابية.
نفذت الذئاب المنفردة عدة عمليات في أمريكا وأوربا، وتمكنت من اختراق أقوي الأنظمة الأمنية والاستخباراتية في العالم، فبحسب دراسة أعدها موقع "الخلفية العلمية للسلوك الإرهابي" ، فأن ظاهرة "الذئاب المنفردة" بدأت منذ السبعينات دون أن يتفطن إليها أحد، وأخذت في النمو، وتمكنت من تنفيذ 198 هجوماً، في دول أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا.
وأوضحت الدراسة أن هجمات الذئاب المنفردة على الولايات المتحدة، زادت بنسبة 45 %، فكانت أكثر الدول استهدافاً، في الفترة من 1990 حتى 2013، بحوالي 46 عملية، بنسبة 63% من إجمالي العمليات على مستوى العالم، وتراجعت هذه العمليات، أثناء فترة نجاح تنظيم داعش، في تكوين دولته في سوريا والعراق.
وكانت الضربات التي تعرض لها تنظيم "القاعدة"، عقب الهجوم التي تعرض برج التجارة العالمي، أجبرته علي التوسع في استخدام إستراتيجية "الذئاب المنفردة"، ويعتبر "أبو مصعب السوري"، وهو أحد منظري السلفية الجهادية، والذي اعتقل في "بلوشستان الباكستانية" عام 2005 وسلم إلي سوريا، من أوائل الذين نظروا للجهاد الفردي، بالاستناد إلي تراث السلفية الحركية الإخوانية، ممثلة في سيد قطب وعبد الله عزم، بالاستعانة بمفهوم "حرب المستضعفين".
وأنجز أبو مصعب، في عام 2004، كتاب " دعوة المقاومة الإسلامية" والذي يؤسس لبناء "سرايا المقاومة الإسلامية"، ويشرح فيه مفهوم الجهاد الفردي، أو ما يطلق عليه "الذئاب المنفردة"، والذي يحول فكرة الجهاد الجماعي، لجهاد فردي من خلال إنشاء خلايا، تجمع بينها العقيدة والهدف، دون وجود تنظيما يعتمد علي هيكلة التنظيمات التقليدية.
وعقب مقتل بن لادن، توسع تنظيم القاعدة بقيادة أيمن الظواهري، في استخدام استراتيجة "الذئاب المنفردة"، وبدا هذا واضحا، عندما أصدرت مؤسّسة السحاب للإنتاج الإعلامي، التابعة للقاعدة في يونيو 2011 شريطا تحريضيا طويلا بعنوان "لا تُكَلّفُ إِلّا نَفسَكَ"، تبني فيها التنظيم رسميا إستراتيجية "الجهاد الفردي" أو"الذئب المنفرد".
ومع ظهور تنظيم في سوريا والعراق، توسع في استخدام "الذئاب المنفردة"، لضرب أهدافه في الدول الغربية والعربية، لاسيما بعد الخسائر التي تعرض لها، وانحسار نفوذه في سوريا والعراق، وبدء عودة أفراده لبلادهم الأصلية، وتبني الجهاديين وأنصار الإخوان فكر الجهاد علي نهج "داعش"، بدأت تظهر في مصر تفجيرات الكنائس باستخدام استراتيجية "الذئاب المنفردة"، لاسيما بعد الهزائم التي تعرض لها التنظيم في سيناء.
هو ما شهدنا في حادث تفجير الكنيسة البطرسية، التي نفذها محمود شفيق، والذي تمكن من التسلل للكنسية في وقت الصلاة، وهو شاب مصري من قرية "سنورس" بمحافظة الفيوم، صدر ضده حكم بالسجن لمدة سنتين، لمشاركته في أحداث العنف عقب الإطاحة بحكم الإخوان، وبايع تنظيم "داعش" وتلقي تدريبات في سيناء، واختفى عن أعين الأجهزة الأمنية، وعاد للفيوم في انتظار التعليمات بتنفيذ عملية انتحارية، ليتسلل لداخل الكنيسة ويفجر نفسه. وبنفس الطريقة تم تنفيذ عملية تفجير كنيسة "مارجرجس" في طنطا، فيما نجحت الإجراءات الأمنية، في منع دخول أحد الذئاب المنفردة، لكنيسة "مارمرقس" في الإسكندرية، والتي كان يترأس الصلاة فيها البابا تواضروس، وكشفت كاميرات المراقبة، طريقة تحرك منفذ الهجوم، ودخوله بشكل عادي دون أن يعترضه أحد.
قال العميد حسين حمودة، الخبير الأمني، أن تنظيم "داعش"، بدأ في الاعتماد علي أن أسلوب "الذئاب المنفردة" بشكل كبير، بعد الهزائم التي تعرض لها التنظيم في سوريا والعراق، وبسبب الضربات التي تعرض لها في سيناء.
وأضاف الخبير الأمني، في تصريحات لـ " بوابة الأهرام"، أن هذا الأسلوب هو أحد أساليب التنظيم، للوصول لما يسمي دولة الخلافة، علي ثلاث مراحل وهي شوكة التكاية ثم إدارة التوحش وأخيرا التمكين، مشيرا إلي أن التنظيم بعد دحره في سوريا والعراق، عاد مرة أخري للمرحلة الأولي، والتي يهدف من خلالها ضرب اقتصاديات الدول والسلم الاجتماعي، ونشر الإرهاب.
ولفت إلي أن أسلوب "الذئاب المنفردة"، الذي يتبعه التنظيم من الصعب التصدي له أمنياً، وفشلت دول عظمي مثل فرنسا وأمريكا وبريطانيا في التصدي له، لأن الذئب المنفرد كما يطلقون عليه، تكون لديه حرية التحرك لتنفيذ التعليمات، وهو ما يصعب علي الأجهزة الأمنية رصده، قبل تنفيذ عمليته وضرب أهدافه، هذا بخلاف تنوع وسائله في القتل، بين الدهش أو الطعن أو التفجير.
وأشار إلي أن الذئاب المنفردة، تتكون من شخص واحد بمفرده، أو خلية مكونه من 3 إلي 8 أفراد، وهم في الغالب أشخاص عاديين، تمكنوا عن طريق الانترنت، التواصل مع التنظيم ومبايعته واعتناق أفكاره، ليحصلوا بعد ذلك علي الدعم المادي والمعلوماتي لتصنيع المتفجرات، بعدها يتم تنفيذ العملية بعيدا عن أعين أجهزة الأمن.
وأكد الخبير الأمني، أن الأجهزة الأمنية المصرية، عليها عبء كبير لمواجهة الإرهاب في الفترة المقبلة، لتقليل المخاطر ونسبة أضرار العمليات الإرهابية، وهو ما يحتاج مواجهة فكرية أولاً، لوقوف أمام الأفكار التكفيرية التي يبثها التنظيم، وثانيا استخدام الوسائل الحديثة في الكشف عن المتفجرات، وأخذ الاحتياطات الأمنية، لاسيما في تأمين الأقباط، الذين أصبحوا مستهدفين بشكل مباشر.
فيما قال الخبير الأمني اللواء مجدي البسيوني، مساعد وزير الداخلية الأسبق، أن مواجهة الأحزمة الناسفة، أو ما يسمي "الذئاب المنفردة" صعب للغاية، وفشلت دول عظمي وأجهزة استخبارات قوية في مواجهته، مشيرا إلي أن مواجهة هذا الأسلوب يبدأ من تجفيف المنابع، ومنع التمويل والامداد، مطالباً بتعاون أوسع بين الدول العربية لمكافحة الإرهاب في المنطقة.
وأضاف الخبير الأمني، في تصريحات لـ "بوابة الأهرام"، أن حادث الإسكندرية كان خير دليل، علي صعوبة مهمة أجهزة الأمن، فبعد أن فشل الانتحاري في الدخول للكنيسة، فجر نفسه في أقل من ثانية واحدة، بضغطة علي زر التفجير، مشيرا إلي أن استخدام التنظيم هذه الوسيلة في مواجهة الدولة، يعد نجاحاً كبيرا للأجهزة الأمنية، التي أجبرته علي اتباع هذه الإستراتيجية، بعد ضرب التنظيم بشكل مباشر في سيناء.